Saturday, June 4, 2011

المَجمَعُ المَسكُونِيُّ الأَوَّلُ






للمطران جورج خضر
المَجمَعُ المَسكُونِيُّ الأَوَّلُ المَعرُوفُ بِالنِّيقَاوِي نِسبَةً إلى مدينة نِيقِيَةَ قُرب القُسطَنطِينِيَّة هُو الذي وَضَعَ القِسمَ الأَكبَرَ مِن دُستُورِ الإِيمَان. يَبدَأُ بِذِكرِ الآبِ بِقَولِهِ: "أُومِنُ بِإِلَهٍ وَاحِدٍ آبٍ..." ثُمَّ يَأتِي القِسمُ المُتَعَلِّقُ بِالإِبنِ وَأَصرَح مَا فِيهِ قَولُهُ عَنِ الإبنِ أَنَّهُ "مُسَاوٍ لِلآبِ فِي الجَوهَرِ..." وَالمِعنَى أَنَّهُ لَهُ الجَوهَرُ الوَاحِدُ الذِي لِلآب. ٱنعَقَدَ المَجمَعُ بِدَعوَةٍ مِن القِديسِ قُسطَنطِينَ المَلِكِ لِيَدحَضَ بِدعَةَ آرِيُوسَ الكَاهِنِ الإِسكَندَرِيِّ الَّذِي عَلَّمَ أَنَّ الإبنَ أَوَّلَ المَخلُوقَاتِ وَبِهِ خَلَقَ اللهُ المَخلُوقَاتِ الأُخرَى. فَهِمَتِ الكَنِيسَةُ مِن هَذا المَوقِفِ أَنَّ آرِيُوسَ هَدَمَ الثَّالُوثَ القُدُّوسَ بِإِنكَارِهِ أَنَّ الآبَ وَالإبنَ وَاحِدٌ وَبِأَنَّ الإبنَ أَزَلِيٌّ مَعَ الآبِ مِن حَيثُ أَنَّ كِلَيهِمَا أَزَلِيٌّ أَي إِنَّهُمَا سَابِقَانِ لِلزَّمَانِ.

ٱنتَشَرَت هَذِهِ البِدعَةُ ٱنتِشَارًا رَهِيبًا وَجَدَّدَهَا اليَومُ شُهُودُ يَهوَه. إِنَّهُم فِي الوَاقِعِ آرِيُوسِيُّونَ إِذ يُنكِرُونَ أُلُوهِيَّةَ الإبن. لِتَأكِيدِ صِحَّةَ التَّعلِيمِ الأُرثُوذُكسِيِّ المُشتَرَكِ بَينَنَا وَبَينَ المَسِيحِيِّينَ الآخَرِينَ، قَرَأَتِ الكَنِيسَةُ عَلَينَا أَوَّلاً النَّصَّ مِن أَعمَالِ الرُّسُلِ الذِي يَحتَوِي عَلَى كَلامِ بُولُسَ لِقُسُسِ أَفَسُسَ إِذ قَالَ لَهُم: "إِحذَرُوا لأَنفُسِكُم وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أََقَامَكُمُ الرُّوحُ القُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً لِتَرعَوا كَنِيسَةَ اللهِ التِي ٱقتَنَاهَا بِدَمِهِ". المِعنَى أَنَّ هَذَا الذِي سَكَبَ دَمَهُ يُسَمِّيهِ الرَّسُولُ اللهَ. لَيسَ المَسِيحُ مُجَرَّدَ بَشَرٍ وَلَكِنَّهُ إِلَهٌ وَإِنسَانٌ مَعًا. ثُمَّ قَرَأَتِ الكَنِيسَةُ القِرَاءَةَ الإِنجِيلِيَّةَ القَائِلَةَ بِأَنَّ مَعرِفَتَنَا لِلإلَهِ الحَقِيقِيِّ وَلِيَسُوعَ المَسِيحِ مَعًا تُعطِينَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، فَلا حَيَاةٌ لَكَ أَبَدِيَّةٌ إِلا بِمَعرِفَةِ المَسِيح. الأَمرُ الثَّانِي قَولُ السَّيِّدِ: "مَجِّدنِي يَا أَبَتِ بِالمَجدِ الَّذِي كَانَ لِي عِندَكَ قَبلَ كَونِ العَالَم". وَاضِحٌ مِن هَذَا الكَلامِ أَنَّهُ قَبلَ تَكوِينِ الكَونِ كَانَ المَسِيحُ مَوجُودًا وَلَهُ المَجد نَفسهُ الذِي لِلآب.

كُلُّ الإِيمَانِ المَسِيحِيِّ مُرتَكِزٌ عَلى أَنَّ يَسُوعَ كَانَ مَوجُودًا قَبلَ كَونِ العَالَمِ (بِلا جَسَدٍ) حَتَّى جَاءَ الزَّمَانُ لِيُكَوِّنَ لَهُ الرُّوحُ القُدُسُ جَسَدًا مِن مَريَمَ العَذرَاءِ فَصَارَ لَهُ عِندَئِذٍ طَبِيعَتَانِ، إِلَهِيَّةً (التِي كَانَت دَائِمًا)، وَبَشَرِيَّةَ التي تَكَوَّنَت بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ مِن أَحشَاءِ مَريَم. ثُمَّ هَذَا الإِلَهُ-الإِنسَانُ هُوَ الَّذِي صُلِبَ عَلَى الصَّلِيبِ وَبَقِيَت أُلُوهِيَّتُهُ كَامِلَةً عَلَى الخَشَبَةِ وَلَكِنَّ المَوتَ لَم يُصِبهَا. مَا تَخَلَّى إِذًا يَسُوعُ عَن بَشَرِيَّتِهِ وَلا مَحَى أُلُوهِيَّتَهُ. بَقِيَتَا مُتَّحِدَتَينِ فِي المَوتِ وَفِي القَبرِ وَقَامَ جَسَدُهُ مِنَ المَوتِ الَّذِي لَم يُصِب أُلُوهِيَّتَهُ. نَحنُ نَعبُدُ إِلَهًا فِي الجَسَدِ وَنَعبُدُهُ حُرًّا بَينَ الأَموَاتِ غَيرَ خَاضِعٍ لِنَامُوسِ المَوتِ وَالنَّتَانَة. وَنَحنُ نَعبُدُ مَعَهُ الآبَ وَالرُّوحَ القُدُسَ، وَلا نَعبُدُ القِدِّيسِينَ وَلَكِنَّا نُكَرِّمُهُم تَكرِيمًا. وَنَحيَا مُتَّحِدِينَ بِيَسُوعَ وَنَأخُذُ مِنهُ كُلَّ نِعمَةٍ وَكُلَّ قَدَاسَةٍ.

المَسِيحُ صَارَ إِنسَانًا بِمَشِيئَةِ الثَّالُوثِ وَبَقِيَ عَلى هَذِهِ الأَرضِ مُتَّحِدًا بِالأُقنُومِ الأَوَّلِ أَيِ الآب وَالأُقنُومِ الثَّانِي (أَيِ الرُّوح القُدُس) فِي كُلِّ لَحظَةٍ عَاشَهَا عَلَى الأَرضِ غَيرَ مُنفَصِلٍ عَنهُمَا وَلَهُ مَعَهُمَا المَجدَ وَالإِكرَامَ وَالسُّجُود.