Wednesday, March 7, 2012

ماذا عن الصَّوم؟


بِٱسمِ الآبِ وَالإِبنِ وَالرُّوحِ القُدُسِ، آمِين
        إِنَّ الصَّومَ الحَقِيقِيَّ لَيسَ مُجَرَّدَ تَغيِِيرِ أَكلٍ بِأَكلٍ أَو مُجَرَّدَ إِمسَاكٍ لِسَاعَاتٍ مَحدُودَةٍ. أَلصَّومُ الحَقِيقِيُّ يَرتَكِزُ عَلَى أَعمَالِ الرَّحمَةِ. فَالرَّبُّ يُذَكِّرُنَا أَنَّ صَومَنَا لَيسَ مُرتَبِطًا بِالحُزنِ كَمَا كَانَ عِندَ الفَرِّيسِيِّينَ، لأَنَّهُ طَلَبَ أَن تُرسَمَ عَلامَاتُ الفَرَحِ عَلَى وُجُوهِنَا، حَيثُ قَالَ: "أَمَّا أَنتَ فَإِذَا صُمتَ فَادهَن رَأسَكَ وَٱغسِل وَجهَكَ لِئَلاَّ تَظهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا". ثُمَّ يُتَابِعُ الرَّبُّ يَسُوعُ الحَدِيثَ بِقَولِهِ: "لا تَكنِزُوا لَكُم كُنُوزًا عَلَى الأَرضِ" بِمِعنَى أَنَّ هَذَا المَوسِمَ يَتَمَيَّزُ بِتَوزِيعِ مَا نَستَطِيعُ تَوزِيعَهُ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِين. مَاذَا يَنفَعُ أَلاَّ تَأكُلَ وَلَكَ قُدرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا الفَقِيرُ لا يَستَطِيعُ أَن يَأكُلَ فِي أَيَّامِ الصِّيَامِ وَفِي غَيرِ الصِّيَامِ؟ أَلصَّومُ إِذًا هُوَ فُرصَةٌ لِتَعزِيزِ المَحَبَّةِ، وَالمَحَبَّةُ لا تَعنِي شَيئًا إِذَا لَمْ تَتَضَمَّنِ العَطَاءَ المَادِّيَّ المُعطَى بِفَرَحٍ.
       الكَنزُ الحَقِيقِيُّ، أَيُّهَا الإِخوَةُ وَالأَخَواتِ، هُو الفَائِضُ بِالنِّسبَةِ لَنَا. فَإِن أَرَدتَ أَن تَكُونَ مُحِبًّا لأَخِيكَ المُحتَاجِ، لا يَبقَى لَكَ فَائِضٌ، فَإِذَا تَعَلَّقتَ بِهِ وَلَم تُنفِقْهُ فَهُنَاكَ يَكُونُ قَلبُكَ. إِذًا أَنتَ تَصُومُ بِقَلبِكَ أَوَّلاً، ثُمَّ تَتَحَكَّمُ بِمَالِكَ حَتَى لا يُفسِدُكَ وَلا يَستَعبِدُكَ.  أَلمَالُ الَّذِي بَينَ أَيدِينَا أَو فِي المَصرِفِ مِلكُ اللهِ وَأَنتَ لا تَملِكُ شَيئًا.  إِنِ ٱئتَمَنَكَ رَبُّكَ عَلَى أَشيَاءِ هَذِه الدُّنيَا لَيسَ فَقَط لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنعَمَ عَلَيكَ بِهَا، بَل لأَنَّكَ مُؤتَمَنٌ عَلَى المَالِ كَيفَمَا أَتَاكَ.  أَللهُ لا يُبَاحِثُكَ فِي سُلُوكِ أَبِيكَ أَو جَدِّكَ، إِنَّمَا يُبَاحِثُكَ فِي سُلُوكِكَ أَنتَ.  يَقُولُ لَكَ: هَذَا الَّذِي وَصَلَ إِلَيكَ إِنَّمَا اعتَبَرتُكَ حَارِسًا لَهُ لأَنَّهُ مَالِي وَأَنَا أَبُو الفُقَرَاءِ، فَعَلَيكَ أَن تُدَبِّرَ أَمرَهُم مِن حَيثُ أَنَّهُم إِخوَتُكَ، وَأَن تُعطِيَهُم بِتَوَاضُعٍ لِتَربَحَ بِالإِحسَانِ بَرَكَاتِ التَّوَاضُعِ. أَلصَّومُ الحَقِيقِيُّ إِذَا تَجَرَّدَ مِن أَعمَالِ الرَّحمَةِ تُجَاهَ الآخَرِينَ يَكُونُ صَومًا بَاطِلاً، وَهَذَا مَا قَالَهُ الرَّبُّ بِوُضُوحٍ.
        نَحنُ الآنَ فِي مَوسِمِ الصِّيَامِ الَّذِي تَتَزَيَّنُ بِهِ الكَنِيسَةُ، وَتُطلِقُ عَلَيهِ إِسمًا خَاصًّا: إِنَّهُ "مَوسِمُ الرَّبِيعِ" فِي الخِدَمِ الكَنَسِيَّةِ، لأَنَّ مُعظَمَ الخِدَمِ وَأَهَمُّهَا نَجِدُهَا فِي هَذَا المَوسِم. هَذَا المَوسِمُ يُهَيِّئُنَا لاستِقبَالِ الفَرَحِ بِعِيدِ القِيَامَةِ البَهِجِ فِي الفِصحِ المَجِيدِ المُقَدَّس. عَلَينَا جَمِيعُنَا أَن نَستَعِدَّ لِلِقَاءِ رَبِّنَا. كَثِيرُونَ يَتَذَمَّرُونَ مِن نَوعِ الأَطعِمَةِ فِي هَذَا المَوسِمِ، وَهَذَا تَذَمُّرٌ طَبِيعِيٌّ لِلضُّعَفَاء فَقَط. أَمَّا الخَطَرُ الأَشَدُّ وَالمَحظُورُ هُوَ أَن نَتَذَمَّرَ فِي عَطَائِنَا لِلغَيرِ وَفِي صَلاتِنَا. مَعرَكَتُنَا هِيَ لَيسَت مَعَ لَحمٍ أَو دَمٍ بَل مَعَ الأَعدَاءِ الغَيرِ المَنظُورِين، مَعَ الشَّيَاطِينِ وَالأَبَالِسَةِ الَّتِي تُشغِلَ نَفسَهَا فِي إِبعَادِنَا عَنِ الله. سِلاحُنَا الوَحِيدُ هُوَ الصِّيَامُ فِي هَذِه المَعرَكَة، لأَنَّهُ بِالصَّومِ ٱستَأهَلَ مُوسَى أَن يَتَسَلَّمَ الشَّرِيعَةَ مِن لَدُنِ اللهِ، وَبِهِ صَارَ إِيلِيَّا مُنَاجِيًا للهِ، وَبِالصَّومِ قَهَرَ الرَّبُّ إِبلِيسَ فِي البَرِّيَّة. جَعَلَهُ اللهُ صَومًا مُبَارَكًا عَلَى الجَمِيعِ، آمِين.